url

 

عادتي أن أسأل كثيرا.. أسأل عن جدوى القيام بكثير من الأمور التي اعتدت القيام بها، مثلا.. لماذا أستمع إلى الموسيقى أثناء الكتابة؟ ما تأثير استماعي على جودة الكتابة أو مجراها؟

مؤخرا كنت أسير في الشارع العام المكتظ بالمارة، والبائعين المتجولين المنتشرين في كل المساحة المتاحة، وأطراف من الشارع المخصص للسيارات، أحدق فيهم جميعا، أتساءل عن سبب تواجدهم كلهم في نفس الشارع، ماذا يفعلون في حياتهم؟ لماذا يقضون معظم وقتهم في شغل، أو تجول، أو تسوق، أو لا شيء.. الوقوف في الشارع فقط، أو الجلوس في مقهى لقتل الوقت.

أحاول جاهدا التحديق في أكبر عدد من الأشخاص، أجد أن ملامحهم متشابهة جدا، كلهم مستاءون من الأوضاع، كلهم خائف من شيء ما يتربص به في الشارع، كلهم يتسابق للوصول إلى شيء ما مجهولة طبيعته.

في الأحياء الشعبية معنى آخر للحياة، هو نفس الصراع، نفس المعاناة، لكنهما بمستوى أقل مما يحدث في مركز المدينة، حيث عدد الباعة المتجولين قليل جدا، والشوارع نظيفة إلى حد كبير، ونوع الناس مختلف قليلا، ثيابهم أغلى، وأحذيتهم تلمع أفضل، وتسريحات الشعر الذكورية تميل كلها إلى جانب من الرأس، أما النساء فمعظمهن يخترن تسريحة ذيل الحصان، ربما لأنها أسهل وأكثر توفيرا للوقت.

لماذا يلهث الناس وراء الأشياء أكثر من حرصهم على قضاء الوقت في ممارسة شعائر الحب؟ قد أميل إلى التخيلات في طرحي هذا من منظور معظم من يقرأ هذه السطور، لكنها الحقيقة كما أعرفها، ما جدوى هذه الحياة؟ ما جدوى كل التعب والشقاء وراء لقمة العيش؟ والترقي في سلم المجتمع؟ والحرص على جمع أكبر عدد من المعجبين؟ ما جدوى كل ذلك ونحن إلى زوال فيها؟

ما نقوم به نضطر إلى فعله، هكذا هو يومنا، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، نعمل مضطرين، نأكل ونشرب وننام مضطرين، نتزوج مضطرين، ننجب مضطرين، نفكر مضطرين، نقدم أوراق بحثية مضطرين، نبدع مضطرين.

إنه نوع من العقاب يفرضه الإنسان على نفسه، مضطرا لذلك، وحين يسأل: لماذا تعاقب نفسك بطريقة العيش البشعة هذه؟ يتردد في الإجابة، وإذا أجاب: ” أنت مجنون.. تعيش في خيال وواقع غير الذي نعيش”.

حسنا.. إذا كان ما أشعر به جنون في هذا الواقع فليكن، فأنا أرفض أن أعيش ّلأنني مضطر لذلك، أرفض أن أعمل لأني مضطر فقط لأن أعمل، أرفض أن يخبرني شخص ما بأن الحياة صراع خاسر ضد الزمن.

انظروا حولكم.. تأملوا في الصراعات والحروب في العالم.. شاهدوا آثار الترف تغير طبيعة الإنسان إلى أدنى من البهيمة.

وتساءلوا: كيف يعقل أننا لم نفكر فيما نفعله طيلة هذه المدة؟ في السوبر ماركت، يختار الناس الصعود في السلالم المتحركة، ليس لأنها أفضل من صعود الأدراج، وإنما لأنهم اعتادوا أن تصل بهم الدرجات إلى الطابق الثاني دون أن يبذلوا عناء التفكير في سؤال: لماذا اخترت السلالم المتحركة ولم أختر الأدراج؟

تساءلوا: لماذا اخترت هذه الوظيفة التي أشعر فيها بالتعاسة ولم أعمل في المهنة التي أحببتها كثيرا؟

ببساطة: الإنسان يبحث عمن يدفع أفضل مقابل بذل الجهد الأقل، ستتعبنا أحلامنا إذا اخترنا الجري والسعي لتحقيقها، لكننا سنرتاح أو هكذا نظن لو اخترنا وظيفة بمقعد في مكتب، وبراتب شهري قار.

ببساطة: الإنسان يتزوج في الغالب لأن غريزة البقاء.. وغرائز أخرى تحثه على ذلك، تجذبه رائحة أنثى، فتنجذب هي إلى فحولته ليؤسسوا أسرة، الأمر أكبر من ذلك، الأمر يتعلق بالتقاء أرواح، وإلا لو كان الأمر مجرد إعجاب وهو ما نعتقده لانتهى بمجرد تغير ملامح الجمال المظهري.