392321_253673168019467_211249398928511_669375_545691604_n

في حيينا، ارتجت النوافذ الزجاجية تحت وقع “الدقة المراكشية”، شيء ما يحدث.. ! بالطبع.. فهو موسم الأعياد الكبيرة.

عِجل له خوار ذبح للتو، ونصبت خيمة الوليمة الكبيرة، وحضر المستشارون ووضعت لافتات الحزب في كل مكان.

أكثر من 50 سنة على الاستقلال، ولا زال المرشح ومن ورائه حزبه الوطني يستقطب المهندس والمعلم والطبيب وعامل النظافة وربة البيت و”البدون”  “طالب معاشو” بالذبيحة، والولائم الجماعية التي تحيل مشاهدها على زمن المجاعة والفاقة.

كلما اقترب موعد الحملات الانتخابية، خاصة الجماعية، يتغير كل شيء في الأحياء التي لا يصلها ضوء كاميرا القنوات الوطنية إلا في حالات سقوط المباني، أو القبض على مروج مخدرات أو شبكة إرهابية.

يتغير وجه المستشار من عبوس قنوط، إلى بشوش يحضر الصلاة في المسجد خمس مرات.. ويجمع نسخ بطاقات التعريف لأسباب متعددة تصب كلها في أخذ وعود والتزامات انتخابية لصالحه، مقابل وعود وتعهدات بحل كل المشاكل دفعة واحدة، المشاكل التي تتفاقم بازدياد نسخ التعريف.

وكأنه العيد الكبير، يجول المنتخبون بين المنازل والمحلات، وعوض أن يباركوا العيد، يقومون بجمع الأيمان على المصحف وأبواب المساجد، وبالترغيب تارة، وبالترهيب تارة أخرى، وبتوزيع “الزرقالاف” التي أصبحت المطلوب رقم واحد المتهم بإفساد العملية الانتخابية.

ويتملك المتتبعين الفضوليين أمثالي العجب حين تخرج تقارير سرية من بين شقوق هياكل الأحزاب المحلية، تتحدث عن لقاءات تدرس فيها خطط شراء الذمم، وترهيب فلان، وترغيب فلان، حتى وصل الحد باقتراح تهديد جار قريب، بالحرمان من تسلم عقد ازدياد إذا لم يصوت لصالح الحزب الفلاني.

وسرعان ما يختفي العجب حين تطفو على صفحة المياه الآسنة للأحزاب أمور هي أعظم في حقارتها وصغارها مما سبق.

كل ذلك يحدث تحت شعارات أحزاب وطنية تملك إرثا نضاليا وسياسيا كبيرا، إنه الوجه الآخر الحقيقي، الذي يفضح تهالك الطبقة السياسية، وضعف بنيتها الديمقراطية، وغياب إستراتيجية العمل الحزبي، بمعنى أوضح، نحن في عملية توزيع غنائم وأضاحي بمناسبة اقتراب العيد الكبير.

ولائم.. وعود.. وقسم لو تعلمون عظيم.. حتى أحل بعض أصحاب الضمير في الحي جواز الحنث بالقسم الانتخابي عملا بقاعدة ما بني على باطل فهو باطل.

حتى المواطن، يبرمج نفقاته، واستراتيجية تحسين وضعه المعيشي باقتراب الحملات الانتخابية، وذلك استنادا إلى اتفاق عرفي جرى عبر التاريخ بين الأحزاب التي تسير الإدارة المحلية والمواطن، من قبيل غض البصر عن البناء العشوائي الذي ينمو بسرعة قياسية خلال الفترة الانتخابية. والزحف على أراضي الدولة من طرف سماسرة وعصابات تستغل الظرفية الانتخابية وتبيع القطع الأرضية للمواطن المصلحي دون وثائق، يحدث ذلك تحت غطاء الحاجة والخوف والتهديد، وطلب الربح الشخصي أولا وأخيرا.

إنه موسم الأعياد الكبيرة أيها السادة، موسم تدجين قطاع كبير من الشباب  “طالب معاشو” أو الحاصل على دبلومات جامعية لم تخوله الحصول على وظيفة عمومية عن طريق التباري، فبحث عن الفرصة في الوعود الانتخابية الزبونية.

إنه عيد الختم بطابع استغلال النفوذ و “باك بلوس صاحبي”، وتسطيح الوعي السياسي لجيل آخر سيأتي دوره ليحافظ على دورة موسم الأعياد الكبيرة.

إنه موسم “عجينة يدينا” هم سياسيون منا، ونحن منهم، مثقفون وأميون، لكننا جاهلون، نبحث عن لقمة العيش وكفى، نبحث عن المناصب والوظائف العمومية، ونترك الوطن لأيدي ملطخة بالحرام.

قال الحسن الثاني يوما: “لست خائفا من المغرب الذي سأتركه للمغاربة، بل أخاف من المغاربة الذين سأتركهم للمغرب”.

كان يعرف تماما أن الأحزاب السياسية التي لعب دورا كبيرا في تدجينها، هي قطاع آخر من العاطلين الباحثين عن المناصب بأقل تكلفة وأعلى أجر.

ويبقى الأمل في نخبة وهبت نفسها للوطن، وأنشدت بصوت عال كسر حواجز الطمع والجشع والأنانية: خذوا المناصب والكراسي لكن خلولي الوطن”