انطلق حراك عربي أسقط أنظمة وزعزع أخرى دخلت في دوامة عنف طويل الأمد، ودول أخرى خاصة المغرب، تفادى مخاطره، وتعامل معه بجدية وحذر.

ملك المغرب، كان أول من أخذ زمام المبادرة، ألقى خطابا أسقط فيه حكومته، وأطلق دستورا جديدا أجمع الفاعلون السياسيون والمدنيون، المغاربة والأجانب، على نوعيته، وككل الدول العربية التي شهدت حراكا ثم انتخابات، تصدر المشهد السياسي المغربي حزب إسلامي كان يقود المعارضة.

حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية، والذي ينتمي معظم قياداته إلى حركة التوحيد والإصلاح الدعوية، أصبح يقود أول حكومة في ظل الدستور الجديد، في شبه توافق مع المؤسسة الملكية، التي تعاملت معهم كجزء من المشهد السياسي الرسمي لأول مرة في تاريخ المغرب المستقل.

وبعد أن أصبحوا شركاء في تسيير مؤسسات الدولة، وتنازلهم أو سكوتهم عن مطالب رئيسية من قبيل الملكية البرلمانية، أو تغيير جذري بالعملية السياسية، أو محاسبة رموز الفساد، وجهت لهم انتقادات شديدة اللهجة من أغلب مكونات المجتمع السياسية والمدنية، ووُصفوا بأنهم لاعب آخر تستغله الدولة لإسكات أصوات الاحتجاجات، وفي نفس الوقت تشويه صورتهم أمام الرأي العام الذي كان يتعاطف معهم في أغلب القضايا التي يتبنونها.

عصفورين بحجر واحد، القضاء على شعبيتهم، وتكريس صورة الملك المنقذ، عاملان أساسيان كما أكد كثير من المتدخلين، جعلا الدولة تقبل بالإسلاميين في رئاسة وقيادة الحكومة.

وفي المقابل، يجري نقاش أكبر، حول استغلال الحزب الإسلامي لإسم الملك، لتمرير سياسات وقرارات تخدم مصالحهم الحزبية، وتضمن لهم خزانا أكبر من الأصوات الانتخابية مستقبلا، فكلما كان لقرار ما آثار سلبية على المواطنين، إلا وأقحم اسم الملك في الأمر.

وبما أنهم وافد جديد في الشراكات الوطنية والعلاقات الدولية، دأب قيادات الحزب، على استغلال صورة الملك في زياراتهم الدبلوماسية، للتعريف بأنفسهم، وتصحيح صورة الإسلاميين المشوهة في الدول الغربية.

“نحن حزب سياسي بمرجعية إسلامية” جملة يرددها الأمين العام لحزب العدالة والتنمية كثيرا، لينفي عن حزبه صفة “الإسلاميين” التي غالبا ما ترتبط في الفهم الغربي بالمتشددين والإرهابيين.

ويؤكد في خطاباته مرارا : “أنا أعمل في حكومة جلالة الملك”، وغيرها من التعابير والمواقف التي تظهر أن بين الملك والحكومة توافق وانسجام تام، وهو ما يظهر حتى في تصرفات الملك مع رئيس الحكومة، وخطاباته في المناسبات الوطنية.

المعارضة والقوى اليسارية والعلمانية، تتهم الإسلاميين باستغلال صورة الملك للترويج لأفكارهم التي يسمونها “متطرفة” ويؤكدون أن الدولة العميقة بالمغرب والتي تعتبر الملكية جزء منها فقط، تستغل الإسلاميين في الظرف الراهن، لتفادي الوقوع في خيارات أخرى أكبر تكلفة.

الخطر كما يصوره خصوم الإسلاميين، هو عودة الدولة العميقة أكثر قوة وتحكم، بفضل تنازلاتهم، بعد أن تجاوزت عاصفة الحراك العربي بسلام.

أما الوقائع، فتوضح بشكل مستمر، أن طريقة الحكم بالمغرب تتغير نحو الأفضل، وبشكل تدريجي، كما يريده الإسلاميون في أفكارهم ومواقفهم، وكما أراد الملك منذ انطلاق فترة حكمه سواء تحقق ذلك باستغلال طرف لآخر، أو بتوافق بينهما.

والأهم من ذلك، أن تتبلور تجربة إصلاحية جديدة يشارك فيها الجميع، ويكون خطابها مشتركا لا يطغى فيه طرف على آخر، ولنا في تونس نموذج، وعكس ذلك، لنا في مصر نموذج أيضا.