سؤال منطقي، في ظل صمود أسطوري لقطاع أصغر من راحة اليد بالنسبة للأرض الممتدة، لكن السر ليس في الأرض، ولا في التكنولوجيا، ولا في السلاح، السر في نساء ورجال غزة، وسأترك الكلمة لمن عاش فترة بينهم.

نهضت مبكرا، وحين وطأت قدماي شارعا لم أعرف اسمه بعد، علمت أني متأخر جدا في الاستيقاظ، كانت الحياة تدب في كل مكان، حتى الصخر الذي تفتت بفعل الصواريخ القادمة من المدن المحتلة، ترى فيها نوعا من الحياة.

جماعة من الناس، بينهم أشخاص بزي الوقاية المدنية، يفرزون الحطام عن جثث الشهداء، وآخرون يعدون مائدة بسيطة فوق الأرض، يرحبون فيها بكل مار، بكل طفل، وامرأة، ورجل.

لم يستثنوا أحدا، وفي زمن بدأنا نسمع فيه بفرض الجزية على المسيحيين في العراق، نادى هنا في غزة راهب برفع آذان المسلمين في الكنيسة، بعد أن سقطت الصوامع بضربة غدار.

خلت أن النساء اللاتي شاهدتهن في التلفاز ما زلن يبكين، يلبسن الأسود، يشتمن حكام العرب، يرددن “ذنبنا إيه” لكن ذلك لم يحصل، فقد انقضت ساعة الحزن، هم يعدون الصغار للذهاب إلى حصة الدرس، لم أقل المدرسة، لأنه لم يعد لها وجود، مجرد خيمة، وسبورة نجت بأعجوبة، ومعلم يربط رأسه بعصابة مخضبة بالدماء.

في آخر الحي، حين هممت بالعودة إلى قافلتي الطبية التي حضرت معها، فاجئني رجل ملثم، يحمل رشاشا، فزعت، وتلعثمت، فربت على كتفي، وأرشدني إلى قافلتي التي تهت عنها، ثم صلى ركعات خفيفة تحت منزل نصفه الأكبر مهدم، وأكل ثمرات أخرجها من جيب صغير، وعاد من حيث أتى.

في مخيم القافلة الطبية، دماء في كل مكان، وصراخ لأمهات يرافقن صغارهن الواصلين لتوهم في سيارة الإسعاف، لكن؛ وفي منظر غريب، ورهيب، لا وجود لذاك الحزن الذي يخيم على جنائزنا في البلاد العربية، هو بكاء، لكنه قوي، يخيف الأعداء، ويزيد أشباح الأنفاق قوة وعزما.

هكذا حكى ذاك الحاضر قليلا من واقع غزة، كنت أريده أن يحكي أكثر، لكن الدموع غلبته، ودخل في نوبة حزن طويل استمرت أيام، وحين عاد، سألته، كيف لم تسقط غزة بعد.. !!

أجاب: إنهم مجتمع من النمل.. لا يكل أبدا من بناء ما تهدم، أو إنجاب من مات.. أو التصدي للعدو.. همهم الوحيد، العيش في كرامة، أو الموت بشرف